09-06-2022 10:51 AM
بقلم : د.عبدالكريم الشطناوي
عبارة تعلمناها منذ طفولتنا رددناها ونرددها،ومرت أيام وشهور وسنين،عقود وعشرات العقود.
نرددها يوما بعد يوم وسنة بعد سنة ونتساءل ما المقصود من هذا القول،فالشرق والغرب جهتان متقابلتان من الجهات الأربع.
فالشرق بداية النهار،نور وضياء وضوح،كد وعمل،نشاط وسعي يقظة وتحفز،مهد الحضارات و مهبط الرسالات السماويةومنه عم خيره للغرب.
بينما الغرب نهاية النهار،عتمة وظلمة غموض،راحة واسترخاء
وقلة نشاط،سكون ونوم.
فالشرق بداية النهار والغروب أفوله.
وعلى الرغم من تناقضهما فهما مكملان لبعضهما فالشروق للجد والتعب للجني،والغروب وقت للراحة وتجديد النشاط،وبهما يتشكل اليوم،وهو جزء من الزمان.
ويمضي بنا الزمان فنكتشف أن المقصود بهذا القول سكان الشرق والغرب،وقد قرأنا وما زلنا نقرأ التاريخ فوجدنا عداء متأصلا من إنسان الغرب اتجاه إنسان الشرق.
قرأنا تاريخ ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد وجدناو ما زلنا نجد
أن العدوانية والغزو للآخر سمة
اقترنت بالغرب،وجدنا إنسان الشرق قد تعرض لإعتداءات من إنسان الغرب الذي إستعمر أرضه وأقام امبراطورياته عليها واستعبد إنسانها.
كما قرأنا حروبا طاحنة في القرون الوسطى(بين القرن الخا مس والقرن الخامس عشر) بين شعوب الغرب مع بعضها، وكانت حروبا أهلية ودينية وسياسية،اكتوى الغرب بسعيرها
ونارها تحار بها الألباب وتقشعر منها الأبدان،وجدناها فيضا لا غيضا فمنها على سبيل المثال،
نشوب حرب طويلةالأجل بين بريطانيا وفرنسا من أجل طرد بريطانيا من فرنسا دامت(١١٦)
سنة (١٣٣٧-١٤٥٣)سميت بحرب مئة عام الأولى ثم قامت بينهما
حرب ثانية(١٦٨٩-١٨١٥)،كل ذلك
من أجل طردبريطانيا من فرنسا
وبقيت النزعة العدوانية سمة متلازمة في الغرب،بالإضافة إلى النزاع بين الحدود فيما بين
بعضها وظهور الحركة القومية والتنافس الإقتصادي وتطلع بعض الأقليات للإستقلال فقد كانت سببا لاندلاع حربين عالميتين ما يسلم العالم شرهما وأذاهما.
وقد إندلعت الأولى في الفترة (١٩١٤-١٩١٨)والثانية(١٩٣٩-١٩٤٥)
وحدثت حرب أهلية أيضا في اسبانيا في فترة(١٩٣٦-١٩٣٩)،
ولقد حصدتا أرواح الملايين وخلفت ملايين الجرحى وذوي العاهات من البشر،وألحقت الخراب والدمار في أنحاء العالم
كما ظهرت فيه النزعتان:الفاشية
في ايطاليا،والنازية في المانيا.
وكان من نتائج الأولى على وطننا العربي أن نكث الحلفاء بوعدهم للشريف حسين بقيام مملكة موحدة للعرب،وعقدت بريطانياوفرنسا بينهماسنة١٩١٦ معاهدة سايكس بيكو لإقتسام الهلال الخصيب(الشام والعراق)
بينهما،وأصدربلفور وزيرخارجية
بريطانيا وعده المشؤوم سنة ١٩١٧بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين الحبيبة كما فتحت
أبواب الهجرة لليهود إلى ربوع فلسطين وتسليحهم .
وقد تحقق الوعد المشؤوم بدعم الغرب بقيام كيان صهيو
ني غاشم سنة١٩٤٨على أرض فلسطين الطهور وتشريد أهلها.
لقدعمل الإستعمار على إضعاف الأقطار العربية ودعم وتقوية الكيان الغاشم،مماشجعه على شن حروب متوالية منها العدوان الثلاثي على مصر سنة ١٩٥٦ ثم شن حربه سنة ١٩٦٧ وكان من نتائجها احتلال فلسطين كاملا واجزاء من الأردن ومصر وسورية ولبنان، ولم يسلم جزء من الوطن العربي من استعمار الغرب له.
وهكذا فإن هذا الكيان الغاشم الذي غرسه الغرب خنجرا في خاصرة وطننا العربي كان وما زال سببا لكل مآسينا وتفرقنا.
وتمر السنين تباعا وأجيالنا العربية يحدوها الأمل بتحرير فلسطين وتتحقق وحدتهالتأخذ
مكانها وتتبوأ منزلة تليق بها كأمة وذات تاريخ تليد لعب دورا هاما في نشر العلم والعدل بين الأمم والشعوب.
ولكن الغرب الأحادي النظرة تحكمه شهوة الإحتلال ونهب الخيرات يقف ضد العرب داعما لدولة الإحتلال الغاشم حتى لا يتحقق لنا أي هدف أو غاية،كما أن دوره بارز في كل أنحاء العالم في افتعال الحروب.
وها نحن نشهد حربا عالمية ثالثة بأسلوب جديد،تتزعمه أمريكا التي قامت دولتها على أنقاض سكانها الأصليين الهنود الحمر،تقود دول أوروبا العجوز مجبرة ولو على حساب شعوبها ضد روسيا،على الرغم من دعوة
روسيا للحوار من أجل وضع ضمانات أمنية.
إلا أن الهجمة الغربية وسيادة روح النزعة العنصرية المتأصلة فيها جعلها تتكالب فيما بينها لشد الطوق حول روسياوفرض الحصار بكل أنواعه،بحجة مناصرة أوكرانيا الأخت الجارة اللصيقة لروسيا،وهذا هو الغرب فقد استخدمها طعما لمحاربة روسيا نيابة عنه مغدقا عليها الأسلحة للقتال حتى آخرجندي أوكراني حسبما جاء على لسان قادة الغرب.
وهذا هو العالم يتابع مجريات الأمور على الساحة الأوكرانية،
مشدوها مما يراه من الغرب وقد هب هبة واحدة كالوحوش المسعورة وانصهرت في بوتقة واحدة مذعورة ضد روسياعلى الرغم من أنها تلحق الضرر بمصالح شعوبها،خاصة وأنها تعتمد على الغاز والنفط الروسي
اللذين يشكلان شريان الحياة لديها.
نعم يقف العالم مشدوها!!
فقد ظهرت عنصرية الغرب علي حقيقتها في كيله بمكيالين:
فأين هو من قضية فلسطين طيلة ست وسبعين سنة وهي ترضخ لإحتلال ظالم يذيق شعبها طعم الظلم والتشريد والإحتلال،لم يحرك ساكنا،بل بالعكس فإنه الداعم الأكبر لهذا الإحتلال؟؟؟
بينما نراه يصطف في صف واحد مؤيد لأوكرانيا مع قناعته بأنه ضحية كأوكرانيا لأطماع أمريكا في سعيها كي تكون أحادية القطبية في العالم.
وقد تجلت مساعدة الغرب لأوكرانيا في نقطتين أساسيتين
أولاهما:
الإغداق بحزم من العقوبات الإقتصادية سعيا لإضعاف روسيا ناسين أن مساحتها يعادل سبع مساحة العالم تتعاقب الفصول الأربعة عليها
وغنية بجميع الثروات الزراعية والنفطية والمعدنية والبحرية وهي عماد اقتصادها.
ثانيهما:
تزويد زليسنكي بأسلحة قديمة
للتخلص منها،لتحارب أوكرانيا دولة روسيا العظمى نيابةعنهم،
وكأنهم قدموها ضحية مآربهم الخاصة.
نعم!!!يقف العالم مشدوها مما يراه من ظهور بعض الحقائق التي يخفيها الغرب وأمريكامما يكيدونه من أضرار تلحق العالم
مثل المختبرات البيو لوجية وغيرها.
يقف العالم!! مشدوها مع بروز شعور الراحة لدى شعوب العالم
المقهورة على أمرها وكلها أمل بأن يزاح كابوس أحاديةالقطبية
الذي تتمسك به أمريكا والغرب من ورائها مضللين ومضللين.
عجيب أمر أمريكا والغرب كله يتبعها،لقد زجوا بأوكرانيا في أتون حرب ويصرحون بأنهم سيقاتلون لآخر جندي أوكراني يمدونها بالسلاح لإطالة الحرب وبجنودهم لا يضحون،إذهب انت وجيشك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون إنهم يقتلون القتيل ويمشون بجنازته.
فرض الغرب حزم العقوبات المتتالية على روسيا الإتحادية ظنا بأنهم سيخنقونها وماذا كانت النتيجة؟؟
لقد تأذى العالم كله،وكانت المفاجأة أن السحر انقلب على الساحر فتبين أن حضارتهم ترتكز على نفط وغاز روسيا كما أن طعامهم خاصة والعالم عامة يعتمد على خيرات روسيا وها هم في دوامة من أمرهم يعزون خطر الأمن الغذائي و شبح حرب لا تبقي ولا تذر يهددان العالم،ويزعمون أن سببه روسيا.
لقد صدق المثل(إن كنت لا تستحي فاصنع ما شئت).
وإنني لأرى سيرجي لافروف على حق بقوله بأن روسيا تحارب الغرب نيابة عن العالم،
فالعملية العسكرية في أوكرانيا قد اسقطت ورقة التوت عن الغرب وأمريكا وعرتهما كما كشفت كيدهم ضد العالم.
لله درك يا بوتين من رئيس دولة حافظ لدرسه فقد أعددت العدة وحزمت الأمر ثم أقدمت على عملية عسكرية في أوكرا
نيا جارته الجالسة في حضنه (وبدها تنتف بدقنه) بعد أن اغمضت عينيها وسدت أذنيها عن كل الدعوات لحل الإشكالية بطرق سلمية،وقد فضلت الإرتماء بأحضان الغرب الذي تقوده أمريكا بسياسة الترهيب.
ويبقى السؤال الكبير:
وأين موقف العرب من كل ذلك؟
وماذا نابهم وطالهم من الغرب خلال القرون الماضية وسيرهم في فلكه؟؟؟
أليس ما بهم من تفرقة،خراب
ودمار،غرس شوكة في حلقهم ما هو إلا نتاج غدر الغرب بهم وطمعهم في نهب خيراتهم واستعمارهم؟؟
أليس هرولتهم إلى ما يسمى خطأ بالتطبيع هو بحد ذاته إذلال للعرب وأن سببه الغرب ومع من التطبيع؟؟
إنه مع عدو احتل الأرض وشرد الأهل وأصحاب الديار.
ولكن شعب فلسطين لا يقبل الضيم ويرفض الإحتلال،وما العمليات البطولية في القدس وجنين وغزة،بل في كل انحائها إلا دلالة على عظمته،فالعمليات الإستشهادية الفردية هنا وهناك اقضت مضاجع العدو فجعلته في حالة ذعر وخوف دائم،وكل هذه البطولات رسائل للعدو بأنه مهما طال احتلاله فلا بد من زواله ولن ينفعه الغرب وله في أوكرانيا خير مثل.
.
فإلى فلسطين وشعبها تحية إعتزاز وفخر وتقدير من شعب عربي مقهور لا حول له ولا قوة بيديه.
وعاشت فلسطين حرة ابية.
وقد يقول قائل وهل خلا الشرق من هذه الحروب؟؟؟
نعم لم يخل من ذلك،وهل ننسى وما زال وطننا العربي يعاني مما ابتلي به من دواعش الغرب تحت ماسمي بالربيع
(الحريق)العربي؟؟
ولكن لو بحثنا عن أسباب ذلك لوجدنا الغرب هو السبب الرئيس والمحرك الأساسي،وما بلاء العالم إلا من ذاك الغرب.
والعياذ بالله العلي العظيم.
وبه نستعين.
د.عبدالكريم الشطناوي
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-06-2022 10:51 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |